أبو نصـــر الصــــياد
كان رجل اسمه "أبو نصر الصياد" يعيش مع زوجته وابنه في فقر شديد، واشتد الفقر بالأسرة حتى أخذ الطفل الصغير يبكي من شدة الجوع، فترك الرجل بيته، وانطلق يسير في الطريق مهموماً لا يدري ما يفعل
مر "أبو نصر الصياد" على شيخ يُدْعَى "أحمد بن مسكين" وقال له:
- ليس عندي ما أطعم به زوجتي وابني !
فقال له: اتبعني !
وذهبا إلى البحر، فقال له: صلى ركعتين، فصلى، ثم قال له: قل بسم الله، فقال: بسم الله، ثم رمى شبكته فما لبثت أن خرجت بسمكة عظيمة
فقال له الشيخ: بعها واشتر بثمنها طعاماً لأهلك
فذهب وباعها في السوق واشتري فطيرتين، أحدهما باللحم والأخرى بالحلوى، وذهب ليعطى الشيخ شيئاً منها، فقال له الشيخ وهو يبتسم:
- لو أطعمنا أنفسنا هذا، ما خرجت السمكة !
أي لو كان يفعل الخير وينتظر له ثمناً، ما ظهرت له كرامة !
أخذ "أبو نصر الصياد" يَجُد السير حتى يصل إلى بيته ويطعم أهله، وفي الطريق قابل امرأة فقيرة ومعها طفلها الصغير وقد هده الجوع، فلم يحتمل رؤية حالهما ودفع لهما بالفطيرتين، فدمعت المرأة وابتسم الطفل !
تذكر"أبو نصر" زوجته وطفله الصغير، فعاد يحمل الهم، ووقف حائراً لا يدري ما يفعل، وبينما هو كذلك إذ سمع رجلاً ينادي بأعلى صوته:
- أين "أبو نصر الصياد" من يدل على "أبو نصر الصياد" ؟
قال "أبو نصر" وهو في حزنه: أنا هو، فماذا تريد منى ؟!
قال الرجل: إن أباك قد أقرضني مالاً منذ عشرين عاماً، ثم مات ولم أستدل عليه، خذ يا بنى ألف درهم !
فرح "أبو نصر" فرحاً شديداً، واشتري لأهله أشهي الأطعمة، ثم أخذ يتاجر في المال، وحتى صار أغني أغنياء بلدته
* * *
يقول "أبو نصر": تحولت إلى أغنى الناس، وصارت عندي تجارة عظيمة، وصرت أتصدق بالألف درهم في المرة الواحدة لأشكر الله تعالى، وحتى أعجبتني نفسي كثيراً من كثرة ما تصدقت (!)
* * *
وفي يوم رأيت رؤيا عجيبة (!) رأيت أن الميزان قد وُضِّعَ، وينادي منادٍ: أبو نصر الصياد، هَلُمََّ لوزن حسناتك وسيئاتك ! يقول: فَوُضِّعَت حسناتي ووُضِّعَت سيئاتي، فرَجَحَت السيئات ! وقلت: أين الأموال الكثيرة التي تصدقت بها ؟! ووضعت الأموال فإذا تحت كل ألف درهم إعجاب نفس، وإذا الألف درهم كأنها لفافة قطن لا تساوي شيئاً ورجحت السيئات، وأيقنت بالهلاك، وبينما أنا كذلك، سمعت المنادِ يقول: هل بقي له شيء ؟ فسمعت ملكاً يقول: نعم بقيت له الفطيرتان، فقلت في نفسي ما تفعل فطيرتان صغيرتان إذا كانت آلاف الدراهم لم تفعل شيئا، ولكنهما وضعا وكانتا ثقيلتين بل أثقل ما وُضِّع، فأخذت كفة الحسنات تهبط وتهبط حتى تساوت مع كفة السيئات، وسمعت المنادي يقول: هل بقي له من شيء ؟
فسمعت المَلَكْ يقول: بقي له شيء، دموع المرأة حين أعطى لها الفطيرتان (!) فَوُضِّعَت الدموع فإذا بها كالحجر، وثقلت كفة الحسنات، ثم سمعت المنادي يقول: هل بقي له من شيء ؟ فقيل: نعم ابتسامة الطفل الصغير ! وَوُضِعَت الابتسامة فأخذت الكفة ترجح وترجح وترجح
وسمت المنادي يقول
"رب درهم خير من ألف درهم، خذوه فأدخلوه الجنة"